الرئسية صوتيات

الجمعة، 22 يناير 2016

شــــــــــــرح حــــــــــــــــديـــــث الـــغرباء للإمام بن القيم رحمه الله

قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحم البخاري حفظه الله قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في (مدارج السالكين)(3/196-200) شارحاً حديث (الغرباء) قال:"..والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء وأهل العلم في المؤمنين غرباء وأهل السُّنَّة الذين يميزونها مِنَ الأهواء والبِدَعِ فيهم غرباء، والدَّاعون إليها الصابرون على أذى المخالفين هم أشد هؤلاء غربة، ولكن هؤلاء هم أهل الله حقاً فلا غربة عليهم وإنما غربتهم بين الأكثرين الذين قال الله عز وجل فيهم { وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله} فأولئك هم الغرباء من الله ورسوله ودينه، وغربتهم هي الغربة الموحشة وإن كانوا هم المعروفين المشار إليهم…
فالغربة ثلاثة أنواع: غربة أهل الله وأهل سنة رسوله بين هذا الخلق، وهي الغربة التي مدح رسول الله أهلها وأخبرَ عن الدِّين الذي جاء به أنه بدأ غريباً وأنَّه سيعود غريباً كما بدأ وأنَّ أهله يصيرون غرباء، وهذه الغربة قد تكون في مكانٍ دون مكانٍ ووقتٍ دون وقتٍ وبين قومٍ دون قوم، ولكن أهل هذه الغربة هم أهل الله حقاً فإنهم لم يأووا إلى غير الله ولم ينتسبوا إلى غير رسوله ولم يَدْعُوا إلى غير ما جاء به… ومن صفات هؤلاء الغرباء الذين غبطهم النَّبيُّ:
التَّمسُّك بالسُّنَّةِ إذا رغبَ عنْها النَّاس وترك ما أحدثوه وإن كان هو المعروف عندهم.
وتجريد التَّوحيد وإن أنكر ذلك أكثر النَّاس.
وترك الانتسابِ إلى أحدٍ غير اللهِ ورسولهِ لا شيخٍ ولا طريقةٍ ولا مذهبٍ ولا طائفةٍ، بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبودية لَه وحده وإلى رسوله بالاتِّباع لما جاء به وحده، وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقَّاً وأكثر النَّاس بل كلهم لائم لهم؛ فلغربتهم بين هذا الخلق يعدونهم أهل شذوذ وبدعة ومفارقة للسواد الأعظم … بل الإسلام الحقّ الذي كان عليه رسول الله وأصحابه هو اليوم أشد غربة منه في أول ظهوره وإن كانت أعلامه ورسومه الظاهرة مشهورة معروفة فالإسلام الحقيقي غريب جدِّاً وأهله غرباء أشد الغربة بين الناس.
وكيف لا تكون فرقة واحدة قليلة جداً غريبة بين اثنتين وسبعين فرقة، ذات أتباع ورئاسات ومناصب وولايات، ولا يقوم لها سوق إلا بمخالفةِ ما جاء به الرَّسول فإن نفس ما جاء به يضاد أهواءهم ولذاتهم وما هم عليه من الشُّبُهات والبدع التي هي منتهى فضيلتهم وعملهم والشهوات التي هي غايات مقاصدهم و إراداتهم، فكيف لا يكون المؤمن السَّائر إلى الله على طريق المتابعة غريباً بين هؤلاء الذين قد اتبعوا أهواءهم وأطاعوا شحهم و.… فإذا أراد المؤمن الذي قد رزقه الله بصيرة في دينه وفقهاً في سُنَّةِ رسوله وفهماً في كتابه وأراه ما الناس فيه من الأهواء والبدع والضلالات وتنكبهم عن الصِّراطِ المستقيم الذي كان عليه رسول الله وأصحابه، فإذا أراد أن يسلك هذا الصِّراط فليُوطِّن نفسه على:
قدحِ الجُهَّالِ وأهلِ البدعِ فيهِ، وطعْنهم عليه، وإزرائهم به، وتنفير النَّاس عنه، وتحذيرهم منه كما كان سلفهم من الكفار يفعلون مع متبوعه وإمامه، فأمَّا إنْ دعاهم إلى ذلك وقَدَحَ فيما هم عليه فهنالك تَقُومُ قيامتهم ويبغون له الغوائل وينصبون له الحبائل ويجلبون عليه بخيل كبيرهم ورجله. فهو غريبٌ في دينهِ لفسادِ أديانهم، غريبٌ في تمسُّكهِ بالسُّنَّةِ لتَمَسُّكِهم بالبدع، غريبٌ في اعتقادهِ لفسادِ عقائِدِهم، غريبٌ في صَلاتهِ لسُوءِ صلاتهم، غريبٌ في طريقه لضلالِ وفسادِ طرقهم، غريبٌ في نسبتهِ لمخالفةِ نِسَبِهِم، غريبٌ في معاشرتهِ لهم لأنَّه يُعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهم، وبالجملة: فهو غريبٌ في أمورِ دنياه وآخرته، لا يَجِدُ مِنَ العامَّةِ مسَاعِدَاً ولا معيناً، فهو عالمٌ بين جُهَّالٍ، صاحبُ سُنَّةٍ بين أهلِ بدعٍ، داعٍ إلى الله ورسولهِ بين دعاةٍ إلى الأهواءِ والبدعِ، آمرٌ بالمعروفِ ناهٍ عن المنكر بين قومٍ المعروف لديهم منكر والمنكر معروف "، فالصَّبر الصَّبر، تفلحوا.
و هذا المسلك الذي أشار إليه الإمام ابن القيم من التنفير من علماء أهل السُّنَّة هُو مَسلك أهل البدعِ قديماً وحديثاً! وَ تَأمل هَذا النقل عن الإمام الشاطبي واصفاً بعض طرائق أهل الأهواء والتي منها تقبيح فتاوى العلماء لدى العامة تنفيراً عن السُّنَّة واتباع إهلها! حيث قال في (الاعتصام)(2/52-ط مشهور):" وربَّما ردُّوا فتاويهم وقبَّحوها في أسماع العامَّةِ؛ ليُنفِّروا الأمَّةَ عن اتِّباعِ السُّنَّةِ وأهلها" فالمقصد من سلوك هذا المسلك الصَّد عن السُّنَّة وأهلها، وهذا يدلك على أنَّ الصَّد عن أهل الحقِّ صدٌّ عن الحق، وقد جاء في (المصنف) لابن أبي شيبة (11/12: ( الزم الحقّ يلزمك الحقّ ). 

من مقال كتبه الشيخ عبد الله البخاري حفظه الله  

هناك 3 تعليقات: